هم فئة صامتة تعيش في هدوء و تغادر في هدوء لا رفيق لهم الا الظلام الذي كلما احتموا به زاد أملهم في الحياة.
بين نظرة المجتمع القاسية و اهمال الدولة تسير حياة هؤلاء المرضى بعيدا عن أعين الناس و بين جدران الغرف المغلقة و المظلمة التي تتحول الى ملاذهم الوحيد لقضاء حياة الحجر المجبرين على عيشه منذ ظهور علامات المرض عليهم الى حين وفاتهم.
« أطفال القمر »أو « مرضى الجلد المصطبغ »، هي تسمية تطلق على من يعانون من حساسيّة من الأشعة الفوق بنفسجية وهو مرض نادر يصيب شخصا على 250 ألف شخص في العالم و ينتشر خاصّة في منطقة شمال افريقيا .
و يقول الدكتور محمد الزغل أحد أبرز الأطبّاء الذين اشتغلوا على هذا المرض منذ أكثر من ثلاثين سنة ل »لوطن براس »، أنّ عدد المصابين به في تونس في حدود 850 مصابا .
ويشرح الدكتور زغل أنّ هذا المرض الذي يمكن وصفه بالنادر غير معد و لكنه وراثي و ينتشر بين حالات زواج الأقارب.
وسابقا كان الأطفال الحاملون لهذا المرض يفارقون الحياة في سن صغيرة لا تتجاوز 15 سنة لكن و كما يؤكد المتحدث فان تطور الأبحاث و تكثيف الرعاية لهؤلاء المرضى مكنتهم من العيش لمدة أطول.
و يحتاج مريض » الجلد المصطبغ » إلى الوقاية من الشمس و الأشعة البنفسجية للبقاء على قيد الحياة و ذلك عبر استخدام المرهم الواقي من الشمس كل ساعتين و ارتداء نظارات شمسية و بدلة خاصة تمنع تسرب هذه الأشعة في صورة خروجه نهارا .
و يولد طفل القمر سليما دون أيّ أعراض للمرض لكن عند تعرضّه للشمس يحمرّ وجهه و يستمرّ الاحمرار لأيّام و يكون مصحوبا بتسلخات جلديّة تتحوّل في ما بعد إلى بقع بنيّة و مع مرور الأشهر يمكن أن تتطوّر إلى سرطان جلدي.
و اكتشف هذا المرض لأوّل مرّة سنة 1870 من قبل الدكتور موريتز كابوسي بفيينا الذي لاحظ وجود بقع داكنة أشبه بالنمش على وجوه أطفال تعرّضوا لأشعّة الشمس تطوّرت خلال سنوات قليلة إلى تقرحات جلديّة .
و يصنّف مرضى « جفاف الجلد المصطبغ « حسب درجات خطورة الاصابة إلى ثلاثة أصناف.
مهملون
و رغم انه يعتبر من الامراض المكلفة الا ان مرضى الجلد المصطبغ لا يحظون بالتغطية الاجتماعية اذ لا يصنف كمرض مزمن يستوجب تأمينا مدى الحياة و تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورا كبيرا في مساعدة العائلات على تحمل نفقات ابنها.
و من بين هذه الجمعيّات جمعيّة » مساعدة أطفال القمر » التي تأسّست منذ عشر سنوات ،و تسهر الجمعيّة على مساعدة المرضى و عائلاتهم من خلال تقديم الدعم النفسي و التوعية في البداية كما تؤكّد الدكتورة عزة البحوري الزغل رئيسة الجمعيّة.
و تتولّى الجمعيّة توفير المراهم الواقية للمرضى و فوانيس الانارة المضادّة للأشعة الفوق بنفسجية و الأشرطة اللاصقة المانعة لتسرّب الأشعّة من النوافذ إضافة إلى الملابس الواقية.
رفض المجتمع
و يعاني « اطفال القمر » حسب تصريحات كثير منهم ل »لوطن براس » من نظرة المجتمع القاسية التي لا تقبل اختلافهم اذ ترفض بعض المدارس قبولهم بدعوى عدم قدرتها على توفير ظروف ملائمة لوضعهم.
و يؤكد عدد من اولياء اطفال القمر ل »لوطن براس » انهم وجدوا صعوبة في تسجيل ابنائهم بالمدارس بما في ذلك الخاصة لأنّ أغلب المربّين يرفضون التدريس بقسم مغلق طيلة الوقت.
و تحرص جمعيّة « أطفال القمر » على تهيئة الأقسام التي يدرس بها تلاميذ مصابون بهذا المرض من خلال توفير الأشرطة اللاصقة المانعة لتسرّب الأشعة الفوق بنفسجيّة على النوافذ و تركيب نظام التهوئة.
كما يشتكي هؤلاء من النظرات التي تلاحقهم في الشارع كلما خرجوا مرتدين بدلاتهم الواقية من تسرب الأشعة الفوق بنفسجية.
و هو ما ينعكس على حالتهم النفسية بسبب عدم قدرتهم على التواصل مع المحيطين بهم بما في ذلك الخروج للعب نهارا مع أترابهم.
و لتجاوز هذه الصعوبات تعمل جمعية « أطفال القمر » كما تؤكد رئيستها على الاحاطة بالأولياء حتى يكونوا قادرين بدورهم على العناية بطفلهم ف »طفل القمر » يحتاج عائلة قويّة و متفهّمة قادرة على حمايته و تقبّله تعلّمه كيف يحمي نفسه من أشعّة الشمس و يتصالح مع ذاته و يتأقلم مع محيطه .
و تضيف المتحدّثة أنّ الكثير من هؤلاء المرضى فشلوا في مواصلة دراستهم بسبب عدم توفّر الظروف الملائمة لكنّها تستدرك مشيرة إلى قصص نجاح كثيرة سطّرها أطفال مصابون بهذا المرض.