كتب: عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية
موقع الحرة من زاوية أخرى، 26 أيلول/سبتمبر 2021
« الاستثناء التونسي » أخذ يفقد « استثنائيته » على نحو مقلق للتونسيين ومحبي تجربتهم السلمية الرائدة…ففي تونس، يصل النظام البرلماني، نظام ما بعد الثورة، إلى طريق مسدود بفعل تشظي الخريطة الحزبية، ومفاعيل نظرية « التمكين » الإخوانية، واستمرار التدخلات الخارجية التي سعت لتحويل تونس إلى ساحة إضافية لـ »حروب الوكالة »، وفشل « النخبة الجديدة » الذريع في الاستجابة لحاجات التونسيين والتونسيات في العمل والصحة والخدمة والعيش الكريم، قبل أن يُطلَّ الفارس على حصانه الأبيض، مقدماً نفسه على صورة المنقذ والمخلص، ويشرع في فرض إجراءاته الاستثنائية، وسط تأييد شعبي لـ »المستبد العادل »، من قبل جمهور عريض، سئم مشاهد « نهش القطط » تحت قبة البرلمان، في غيابٍ لمنظومة النزاهة والشفافية والمساءلة والمحاسبة.
لكن قيس سعيّد، سيعمل لاحقاً على تحويل المؤقت إلى دائم، والاستثناء إلى قاعدة، فيعمد إلى تعليق العمل بالفصول الأهم من دستور 2011، ويعد بدستور جديد، يضعه هو شخصياً، بل وهو وحده، ويجمع بين يديه صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد أن « مدّ يده » إلى القضاء، لكأنه لويس الرابع عشر صاحب المقولة الأشهر في التاريخ: « أنا الدولة والدولة أنا »…وليس في أفق التجربة التونسية سوى المزيد من الانقسامات، وخطر الاحتكام إلى الشارع، والعودة للاستقطابات السياسية والفكرية، بعد أن بدأ الغطاء الشعبي ينسحب تدريجاً عن الرئيس واجراءاته الاستثنائية…والخشية التي تنتاب التونسيين وأصدقاءهم الكثر، هي أن ينتهي « الاستثناء التونسي » في إجراءات سعيّد الاستثنائية.